كما في السياسة والإقتصاد، كذلك في الرياضة، لبنان دائماً حالة استثنائية. في شباط/فبراير الماضي عُلّقت النشاطات الرياضيّة حول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، ولكن الرياضة اللبنانية متوقفة منذ تشرين الثاني من العام الماضي بسبب الظروف الإستثنائيّة وتظاهرات 17 تشرين التي شهدتها البلاد
الرياضة اللبنانيّة 'لسه فاكر كان زمان'""
كما في السياسة والإقتصاد، كذلك في الرياضة، لبنان دائماً حالة استثنائية. في شباط/فبراير الماضي عُلّقت النشاطات الرياضيّة حول العالم بسبب انتشار فيروس كورونا، ولكن الرياضة اللبنانية متوقفة منذ تشرين الثاني من العام الماضي بسبب الظروف الإستثنائيّة وتظاهرات 17 تشرين التي شهدتها البلاد. الأندية والاتحادات استفادت من هذا التوقف، خاصة وأنها كانت تسيّر أمورها "بالقوة" بسبب شح الأموال وسوء الإدارات المتعاقبة، والخاسر الأكبر هم الرياضيين والجمهور.
***
لم تُبنَ الرياضة اللبنانية على أسُس سليمة في هذه البلاد. الفساد المتجذر في جميع المفاصل نخر جسد الرياضة منذ زمن. السياسة تتحكم في كل شيء. انتخابات الإتحادات الصغيرة والكبيرة خاضعة للسياسة والتوازنات الطائفيّة. الأندية ورؤساؤها لديهم مرجعيّات سياسيّة، هذا سني وذاك شيعي ودور المسيحيين محفوظ، وهكذا. هذه هي الرياضة في لبنان، تشبه الدولة، أو بالأحرى تشبه البلاد.
اليوم وبسبب الأزمة الإقتصادية الخانقة، وأزمة المصارف وشح الدولار في السوق، إضافة إلى سعر الصرف الجديد، باتت مختلف أندية كرة القدم وكرة السلة على شفير الإفلاس. الأندية تعتمد على رجال الأعمال وعلى الدعم السياسي، وهذا الآن بات مفقوداً على اعتبار أن اهتمامات رجال الأعمال والأحزاب السياسية بات اليوم في مكان آخر تماماً. الأندية تدفع ثمن الإهمال المزمن، واتكالها فقط على دعم الرجل الواحد، بدلاً من أن تكون مؤسسة لها هيكليتها وأموالها التي تأمن عائدات الملاعب والتسويق والإعلان.
في كرة القدم أعلن نادي البقاع الرياضي (النبي شيت سابقاً) منذ فترة ليست بالقصيرة أنه غير قادر على الاستمرار، فيما كانت أندية التضامن صور والشباب الغازية وطرابلس والسلام زغرتا والصفا وغيرها، تعاني ظروفاً اقتصادية خانقة هي الأخرى. ثلاث أندية في دوري الدرجة الأولى كانت قادرة نسبياً على الإستمرار وهي: العهد، النجمة، والأنصار. هذه المشاكل خلقت عدم توازن في كرة القدم اللبنانية، ما أدى الى تراجع المستوى وهجرة الجمهور للمدرجات.
على مقلب كرة السلة كانت الأمور أصعب. الأنطونية واللويزة لم يُكملا في دوري الدرجة الأولى بسبب عدم تمكن الإدارات من تقديم الدعم المالي المطلوب. الحكمة عانى طويلاً من مشاكل إقتصادية أبعدته عن منصات التتويج، وكذلك حصل مع هومنتمن بعد ابتعاد غي مانوكيان عن دعم النادي بالشكل الذي كان عليه في السنوات الأخيرة. المؤشر الأبرز على تضرر كرة السلة اللبنانية كان معاناة نادي الرياضي ـ بيروت من مشاكل اقتصادية، بعد أن كان النادي الوحيد المستقر لسنوات طويلة جداً.
ما حصل في الفترة الأخيرة يؤشر بوضوح على أن الرياضة اللبنانية ذاهبة نحو نفق مظلم جداً. المشاكل لا تأتي فجأة، فالفشل متراكم، ولو أن الأندية كانت تعمل بالشكل الصحيح سابقاً، لما انهارت بهذه الطريقة اليوم. في كرة السلة يتم العمل على مشروع لتخفيض عقود اللاعبين إلى الحد الأدنى (4 مليون ليرة سيكون أكبر عقد للاعب)، فيما هناك الكثير من أندية كرة القدم لا تؤمن ولو حتى دفعات صغيرة من رواتب اللاعبين. الأزمة الاقتصادية وبعدها أزمة كورونا كشفت جميع العيوب، حتى أنّ ما كان يقال أخيراً حول دخول الرياضة اللبنانية عهد الاحتراف، سقط هو الآخر، وربما إلى غير رجعة.
ما حصل ويحصل يؤكد شيئاً واحد فقط، وهو أن الرياضة اللبنانية تشبه البلد، وهي مرتبطة بمشروع سياسي. متى نهض هذا المشروع تنهض بعض الأندية، وعندما ينتهي، تنتهي معه.
في تسعينيات القرن الماضي ازدهرت الرياضة، وخاصة كرة السلة. في تلك الفترة جاء أنطوان الشويري إلى الحكمة، كان هدفه واضحاً "إنتشال المسيحيين من الإحباط" بعد الحرب الأهلية، وهذا الكلام أكّده قائد نادي الحكمة السابق إيلي مشنتف. قاد الشويري الحكمة إلى تحقيق بطولة العرب وبعدها بطولة آسيا، كانت تلك الفترة استثنائية، وعند رحيله غاب الحكمة. غاب طويلاً.
في كرة القدم سيطر الأنصار لفترة طويلة بسبب الدعم الذي كان يتلقاه حينها، النجمة كانت حاضرة دائماً، ثم جاء أولمبيك بيروت مع طه قليلات، و"طار النادي بعد أن طارت المصريات"، اليوم هو عصر نادي العهد، بطل لبنان وآسيا. يحاول العهد بناء مؤسسة كما حاول الرياضي ولا يزال، ولكن حتى الآن الأندية مرتبطة بالأشخاص، وهي ليست مؤسسات حقيقية.
الرياضة اليوم تعاني على جميع المستويات، وخاصة كرتي القدم والسلة، اللعبتين الأكبر، والأكثر جماهيرية. تعليق النشاط الرياضي اليوم ليس الأول. كرة السلة علّقت أكثر من مرة، وكرة القدم توقفت في موسم 2000 بعد التلاعب بالنتائج، وبعدها منع الجمهور من الدخول الى الملاعب، ثم جاءت أزمة المراهنات... تاريخ طويل من التوقف والفشل.
في ظل هذه الأزمة ستُلعب البطولات ـ في حال كان هناك عودة ـ من دون لاعبين أجانب، لأن الإدارات غير قادرة اليوم على توقيع عقود كبيرة مع اللاعبين، ولا دفع رواتب بالدولار الأميركي بسبب غياب العملة الصعبة. هذا يضاف إلى غياب عدد كبير من اللاعبين اللبنانيين، الذين اقتنعوا أخيراً أن الرياضة في هذه البلاد "ما بتطَعمي خبز"، وهم سيذهبون للحصول على عمل يؤمن لهم الحياة اللائقة.
البلاد أمام مرحلة جديدة، وكذلك سيكون القطاع الرياضي. الدوريات والمنافسات الرياضية تعود تدريجياً في أوروبا وأمريكا وشرق آسيا، ذلك لأنها مبنية على أسس سليمة وواضحة، أما في لبنان فما على الجمهور إلا أن يتذكر مرحلة التسعينيات ويتحسّر، حتى يأتي يوم وتتغير الأمور، وهذا ليس بالقريب.
Related Posts
رياضي لبناني